سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية أن يخاطبهم بتوبيخ، فأعلمهم بأن الفرار لا ينجيهم من القدر، وأعلمهم أنهم لا يمتعون في تلك الأوطان كثيراً، بل تنقطع أعمارهم في يسير من المدة، والقليل الذي استثناه هي مدة الآجال قال الربيع بن خثيم، ثم وقفهم على عاصم ن الله يسندون إليه، ثم حكم بأنهم لا يجدون ذلك ولا ولي ولا نصير من الله عز وجل، وقرأت فرقة {يمتعون} بالياء، وقرأت فرقة {تمتعون} بالتاء على المخاطبة، ثم وبخهم بأن الله يعلم {المعوقين} وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك، ويسعون على الدين، وتقول عاقني أمر كذا وعوّقني إذا بالغت وضعفت الفعل، وأما القائلون فاختلف الناس في حالهم، فقال ابن زيد وغيره أراد من كان من المنافقين، يقول لإخوانه في النسب وقرابته {هلم إلينا} أي إلى المنازل والأكل والشرب وترك القتال، وروي أن جماعة منهم فعلت ذلك، وروي أن رجلاً من المؤمنين رجع إلى داره فوجد أخاً له منافقاً بين يديه رغيف وشواء وتين، فقال له: تجلس هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال، فقال له أخوه: هلم إلى ما أنا فيه يا فلان ودعنا من محمد فقد والله هلك وما له قبل بأعدائه، فشتمه أخوه وقال: والله لأعرفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الآية قد نزلت. وقالت فرقة بل أراد من كان من المنافقين يداخل كفار قريش من العرب فإنه كان منهم من داخلهم وقال لهم {هلم إلينا} أي إلى المدينة فإنكم تغلبون محمداً وتستأصلونه، فالإخوان على هذا هم في الكفر والمذهب السوء، و{هلم} معناه: الدعاء إلى الشيء، ومن العرب من يستعملها على حد واحد للمذكر المؤنث والمفرد والجميع، وهذا على أنها اسم فعل، هذه لغة أهل الحجاز، ومنه من يجريها مجرى الأفعال فيلحقها الضمائر المختلفة فيقول هلم وهلمي وهلموا، وأصل {هلم} هالمم نقلت حركة الميم إلى اللام فاستغني عن الألف وأدغمت الميم في الميم لسكونها فجاء {هلم}، وهذا مثل تعليل رد من أردد، و{البأس} القتال، و{إلا قليلاً} معناه إلا إتياناً قليلاً، وقلته يحتمل أن يكون لقصر مدته وقلة أزمنته، ويحتمل أن يكون لخساسته وقلة غنائه وأنه رياء وتلميع لا تحقيق.


{أشحة}، جمع شحيح ونصبه على الحال من {القائلين} [الأحزاب: 18]، أو من فعل مضمر دل عليه {المعوقين} [الأحزاب: 18]، أو من الضمير في {يأتون} [الأحزاب: 18] أو على الذم، وقد منع بعض النحاة أن يعمل في هذه الحال {المعوقين} [الأحزاب: 18] و{القائلين} [الأحزاب: 18] لمكان التفريق بين الصلة والموصول بقوله {ولا يأتون البأس} [الأحزاب: 18] وهو غير داخل في الصلة، وهذا الشح قيل هو بأنفسهم يشحون على المؤمنين بها، وقيل هو بإخوانهم، وقيل بأموالهم في النفقات في سبيل الله، وقيل بالغنيمة عند القسم. والصواب تعميم الشح أن يكون بكل ما فيه للمؤمنين منفعة. وقوله تعالى: {فإذا جاء الخوف} قيل معناه فإذا قوي الخوف من العدو وتوقع أن يستأصل جميع أهل المدينة لاذ هؤلاء المنافقون بك {ينظرون} نظر الهلع المختلط كنظر الذي {يغشى عليه} {فإذا ذهب} ذلك {الخوف} العظيم وتنفس المخنق سلقوا أي خاطبوا مخاطبة بليغة، يقال خطيب سلاق ومسلاق ومسلق ولسان أيضاً كذلك إذا كان فصيحاً مقتدراً، وقرأ ابن أبي عبلة {صلقوكم} بالصاد ووصف الألسنة بـ الحدة لقطعها المعاني ونفوذها في الأقوال، وقالت فرقة معنى قوله تعالى: {فإذا جاء الخوف}، أي إذا كان المؤمنون في قوة وظهور وخشي هؤلاء المنافقون سطوتك يا محمد بهم رأيتهم يصانعون وينظرون إليك نظر فازع منك خائف هلع، فإذا ذهب خوفك عنهم باشتغالك بعدو ونحوه كما كان مع الأحزاب {سلقوكم} حينئذ، واختلف الناس في المعنى الذي فيه يسلقون، فقال يزيد بن رومان وغيره: ذلك في أذى المؤمنين وسبهم وتنقص الشرع ونحو هذا، وقال قتادة: ذلك في طلب العطاء من الغنيمة والإلحاح في المسألة.
قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان يترتبان مع كل واحد من التأويلين المتقدمين في الخوف، وقالت فرق السلق هو في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة، وقوله تعالى: {أشحة} حال من الضمير في {سلقوكم}، وقوله {على الخير} يدل على عموم الشح في قوله أولاً {أشحة عليكم}، وقيل في هذا معناه {أشحة} على مال الغنائم، وهذا مذهب من قال إن {الخير} في كتاب الله تعالى حيث وقع فهو بمعنى المال، وقرأ ابن أبي عبلة {أشحةٌ} بالرفع، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم {لم يؤمنوا} ولا كمل تصديقهم، وجمهور المفسرين على أن هذ الإشارة إلى منافقين لم يكن لهم قط إيمان، ويكون قوله {فأحبط الله} أي أنها لم تقبل قط، فكانت كالمحبطة، وحكى الطبري عن ابن زيد عن أبيه قال نزلت في رجل بدري نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني {فأحبط الله} عمله في بدر وغيرها.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا فيه ضعف، والإشارة ب {ذلك} في قوله {وكان ذلك على الله يسيراً} يحتمل أن تكون إلى إحباط عمل هؤلاء المنافقين، ويحتمل أن تكون إلى جملة حالهم التي وصف من شحهم ونظرهم وغير ذلك من أعمالهم، أي أن أمرهم يسير لا يبالي به ولا له أثر في دفع خير ولا جلب شر.


الضمير في {يحسبون} للمنافقين، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل {الأحزاب} وهزمهم الله تعالى وهؤلاء يظنون أنها من الخدع وأنهم {لم يذهبوا} بل يريدون الكرة إلى غلب المدينة، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم لو أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية في جملة {الأعراب} وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر، ومن كان من العرب مقيماً بأرض مستوطناً فلا يمسون أعراباً وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف {لو أنهم بُدّى في الأعراب} شديدة الدال منونة وهو جمع باد كغاز وغزى، وروي عن ابن عباس {لو أنهم بدوا}، وقرأ أهل مكة ونافع وابن كثير والحسن {يسألون} أي من ورد عليهم، وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش {يسلون} خفيفة بغير همز على نحو قوله {سل بني إسرائيل} [البقرة: 211] وقرأ الجحدري وقتادة والحسن بخلاف عنه {يساءلون} أي يسأل بعضهم بعضاً. قال الجحدري {يتساءلون}، ثم سلى الله تعالى عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما {قاتلوا إلا قتالاً قليلاً} لا نفع له، قال الثعلبي هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان الله لكان كثيراً، ثم أخبر تعالى على جهة الموعظة بأن كل مسلم ومدع في الإسلام لقد كان يجب أن يقتدي بمحمد عليه السلام حين قاتل وصبر وجاد بنفسه. وقرأ جمهور الناس {إسوة} بكسر الهمزة، وقرأ عاصم وحده {أُسوة} بضم الهمزة وهما لغتان معناه قدوة، وتأسى الرجل إذا اقتدى، ورجاء الله تعالى تابع للمعرفة به، ورجاء اليوم الآخر ثمرة العمل الصالح، {وذكر الله كثيراً} من خير الأعمال، فنبه عليه، وفي مصحف عبد الله بن مسعود {يحسبون الأحزاب قد ذهبوا فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الأعراب}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8